عام ١٨٩٥ قام القس الطبيب صموئيل زويمر مؤسس الإرسالية العربية الأمريكية بزيارة للكويت قادما من البحرين، متوجها الى البصرة، حيث لاحظ ان الكويت كانت انظف مدينة خليجية، وهذا ما جعله يفكر في العمل الإرسالي في مدينة الكويت، حيث قام الدكتور لويس سكدر بالنظر في موضوع افتتاح مقر للارسالية في الكويت تحديدا وذلك لعدة أسباب منها نظافة المدينة، وكونها مكان صحي للعمل بالطب والتبشير،وأخيرا موقع المدينة الاستراتيجي والذي يعبر من خلالها الطريق التجاري المفتوح الذي يربط مابين الشرق والغرب.
فقد تم بناء المستشفى بناء على طلب الشيخ مبارك الصباح وباشر بناءه عام 1913 وأنجز في أكتوبر 1914 أي في ظرف عام واحد فقط وهو مايعتبر انجازا كبيرا في ذلك الوقت، حيث كان المستشفى أول مبنى في الكويت يبنى بالخرسانة والبناء الحديث وقد قدم المستشفى العديد من الخدمات الطبية لعقود من الزمن في الكويت، وقد قدم العديد من الأطباء الذين استقروا في الكويت وعالجوا المرضى ومنهم الدكتور هاريسون والذي أصبح أول طبيب أجنبي يمارس الطب الحديث في هذا المستوصف.
كانت مدينة الكويت مختلفة عام ١٩٠٩ عندما تولى الشيخ مبارك الصباح الحاكم السادس لدولة الكويت، حيث تطورت المدينة وتم تدشين أسس المدينة الحديثة وبناء أول مستشفى حديث في عهده، وبعد علاج ابنته في البصرة، قرر الشيخ مبارك افتتاح فرع للمستشفى في الكويت لعلاج المرضى الكويتيين وقد تبرع الشيخ مبارك الصباح بأرض فضاء لبناء المستشفى والذي تم البدء بتشييده عام ١٩١٣.
تخوف الكويتييون في بادئ الأمر من موضوع إنشاء وبناء مستشفى إرسالية مسيحية، ولكن قام الشيخ مبارك الصباح بطمأنة الشعب برسالة مفادها : “هؤلاء الرجال من هم؟ هل هم دبلوماسييون أو تجار؟ لا، فهؤلاد أتوا الى الكويت ليعلمونا، يبنوا لنا المستشفيات ويعتنون بمرضانا”.
وبعد مجيئهم الى الكويت، رحب الكويتيون بالأطباء، وكانت العلاقة مابين الشعب الكويتي والأطباء المبشرين يسودها الود والاحترام والتعاون، حيث قال الدكتور لويس سكدر، بأن الشعب الكويتي شعب طيب ومضياف ومرحب وهذا ترك انطباعا جيدا مما جعل الأطباء يشعرون بأريحية في العمل.
حدثت في عام ١٩٢٠ معركة ضارية خارج سور مدينة الكويت وكانت في مدينة الجهراء، ونتجت عن المعركة ١٣٥ إصابة والتي أدخلت على إثرها المستشفى الأمريكي لعلاج المصابين، وقد توفي أربع جنود فقط، وبعد علاج المصابين، وتقديرا لجهود الأطباء والممرضين اهتمت حكومة الكويت بالرعاية الصحية وبدأت بإنشاء المستشفيات والمراكز والخدمات الصحية في شتى انحاء البلاد.
قامت الإرسالية الامريكية العربية بتشييد أربع مباني، كان المبنى الرئيسي يسمى مبنى الرجال تم الانتهاء من بنائه عام ١٩١٤، وكان المبنى الثاني يسمى مبنى النساء والذي تم تشييده عام ١٩١٩، وثم كان يسمى مستشفى اولكوت التذكاري، وفي عام ١٩٥٥ تم تشييد اخر مبنى وهو مبنى ميلري التذكاري في عهد الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه، وقد كان لأهل الكويت دور في قيام هذين المبنيين، وذلك بتبرع اثنين من رجالات الكويت بقطعة أرض للمستشفى وهما المرحومين، حمد عبدالله الصقر وعبداللطيف عيسى العبدالجليل.
تم تصميم مبنى المستشفى الذي عرف بأنه مبنى الإرسالية الامريكية أو المستشفى الأمريكاني، على شكل أقواس والذي كان رمز العمارة في ذلك الوقت، إذ اصبح أول مبنى مستشفى في منطقة الخليج يبنى بالفولاذ والإسمنت وطرق البناء الحديثة التي تواكب أساليب التطور العمراني في العالم. وقد استوحي هذا النوع من العمران والبناء من البيئة الكويتيية والعربية القديمة، حيث كان من الشائع في السابق التواصل في الساحات و الباحات والشرفات، وهذا المبنى دعم التواصل الاجتماعي آنذاك من خلال وجود الباحات الخلفية والممرات الطويلة إضافة لشرفات غرف المرضى المطلة على البحر وكانت أيضا تستغل ليلا للجلوس والانتظار والحديث مابين أهالي المرضى والاصدقاء.
بالإضافة للشرفات، احتوى المبنى على خدمات طبية حديثة، حيث كان يضم غرفة للعمليات، غرض تضميد، وجناح للولادة، وصيدلية، وقسم مخصص للعيون، وقسم مخصص للأطفال، وقد ذكرت إحصائية السنة الاولى لمستشفى النساء في عام 1939، تلقى المستشفى 188 حالة، من ضمنها حالات ولادة، واكثر من 30 الف حالة علاج في مختلف العيادات، و 3015 امراة تلقين جرعات تطعيم، 212 عملية جراحية، و 347 حالة علاج منزلية.
كان من أولويات إدارة المستشفى الامريكاني آنذاك تطوير الخدمات الطبية في الكويت، وتأهيل الكوادر الوطنية وتدريبهم، وبعد عدة سنوات تم تدريب المواطنين على مهارات عديدة وفي أقسام متنوعة، منها التضميد، والتمريض، والصيدلة، وفنيي أشعة، وكان السيد حيدر الخليفة أول كويتي يتم تدريبه لمنصب إشرافي في المستشفى.
وبعد عدة سنوات، تم إضافة واستحداث اقسام جديدة تتناسب مع متطلبات الرعاية الصحية في الكويت، منها استحداث قسم أشعة مقطعية في عام 1945، ووحدات تكييف عام 1952
وبعد مرور الوقت، قامت حكومة دولة الكويت بتدشين المستشفيات الحكومية وكان أولها المستشفى الأميري ومستشفى شركة نفط الكويت في المقوع، عام ١٩٤٩. وكانت الثلاث مستشفيات تعمل في ذات الوقت لخدمة المواطنين في مختلف المناطق السكنية وكانت هذه بدايات الرعاية الصحية في الكويت.
وفي أوائل عام ١٩٦٠، كانت حكومة الكويت آنذاك تقدم خدمات طبية متقدمة والتي تتناسب مع متطلبات واحتياجات المواطنين، وشهد عام ١٩٦٧ إغلاق مستشفى الإرسالية الأمريكية في الكويت، حيث خدم هذا المكان المواطنين والمرضى وكان حلقة وصل وتواصل ومكان جمع المواطنين والمغتربين الأجانب في علاقة تسودها المحبة والاحترام المتبادل.
تلقى الملك عبدالعزيز بن سعود العلاج في المستشفى وعلى يد المبشرين الأطباء، حيث صرح بأن “الارسالية العربية قد بنت جسورا من الصداقات بين العرب والأجانب” وهذا الصرح ماهو إلا ذكرى حية لهذه العلاقة الجميلة الراسخة.